نور على باب الحارة - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


نور على باب الحارة
نضال الشوفي - 14\10\2008

هذه محاولة للرد على تساؤل شاع في أكثر من وسط، وأكثر من حين، حول كل ذلك التعلق الذي أبداه الناس بالعملين الدراميين: (نور) و (باب الحارة) وهو رأي لا يعتمد على اختصاص علمي محدد، إنما على الملاحظة والتحليل ليس أكثر.
إذا اعتبرنا أن مسلسل (باب الحارة) هو معايشة للماضي، واستحضار لهذا الماضي كنموذج، وأسلوب تفاعل اجتماعي. ومسلسل (نور) هو الرغبة فيما نتمنى أن يكون، والطموح لحال مثالي بعيدا عن المنال، فإن الحالتين تشكلان هروبا من الحاضر، ورفضا للحاليّ المعاش. فالأول أي (باب الحارة) هو ملجأ شعوري يحقق لنا نوع من الأمان حيث يوصد باب البيت الدمشقي القديم بإحكام على خصوصية عائلية يحكمها شكل سلطوي متبادل بين النساء والرجال، حين يغيب رب الأسرة ويغيب جبروته تحل محله سلطة الأم متمثلة سلطة مطلقة، وهو الأمر الذي جعلني أفكر في أسباب تعلق النساء تحديدا، كل هذا التعلق، في عمل يعرض التفنن في استعبادهن، فلاحظت أمرين: الأول هو السلطة شبه المطلقة التي تتمتع بها المرأة الأم عند غياب الراعي الأول. والثاني هو المساحة النسوية الكبيرة التي يقدمها المسلسل بما فيها من هموم وصراعات وشؤون تميز المرأة وحدها. كما أن باب البيت الدمشقي يوصد أيضا على عالم يعوض ما في الخارج ويلبيه داخل حيز مملوك، فالفضاء الحر تعوض عنه الباحة السماوية التي تتوزع حولها الغرف، وهو الغرض الحقيقي تاريخيا الذي شيدت هذه الباحة من أجله، أما الطبيعة فتعوض عنها البحرة والنافورة والشجر والنباتات المزروعة داخل المنزل، والسوق تعوض عن الكثير من حاجياته غرفة (المونة) والمطبخ معملا الاقتصاد المنزلي. إذا فإن الفضاء المكاني الأكثر استعمالا يحقق كل هذه الخصوصية، وبالتالي الشعور بالأمان على مستويات عدة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويكمل دوره الباب الكبير الذي يوصد على الحارة الدمشقية ويعزلها عن الخارج وبالتالي يحميها من اللصوص والمعتدين والدرك، وهم إسقاط ممكن للأنظمة المستبدة ولأطماع الخارج المتمثلة بالغرب وبإسرائيل. هنالك أمر أخر يظهره المسلسل، ويجعل الكثيرين يتمنون تحققه في الواقع، وهو ذلك الانضباط في الأماكن العامة والشوارع والساحات، حيث يتم ضبط كل شيء، ولا يستطيع قريب أو بعيد أن يسرح ويمرح على هواه دون أي شكل من الردع والمحاسبة .
بالنسبة للعمل الدرامي الآخر (نور) فهو يقدم النقيض تماماَ، لكن هذا النقيض يشكل عالم مثالي نسبة للواقع اليومي المعاش، حيث يطغى في هذا العمل عمر شبابي مبكر يتمتع شخوصه بالجمال وحسن المظهر، إضافة للأناقة والتحرر في الملبس والتصرف والحركة، وهو يعرض مستوى طبقي يرنو الجميع إليه بما يحوي من قدرات مادية تصورها السيارات الفارهة والبيوت الفخمة والقصور بصالاتها وحدائقها وإطلالاتها المميزة، وبما يضج فيها من علاقات إنسانية من نوع أخر، لا يشوبها قلق سياسي أو اقتصادي أو خوف من حروب، كل ما هنالك علاقات اجتماعية تتمحور حول هموم إنسانية محضة، كالحب والكره والغيرة والانتقام ، إلى ما هنالك. وإذاً فهذا واقع مغاير لا يخنق آماله الخوف من الغد، ولا يشوبه الصراع بين القديم والحديث، والديني والعلماني، والتقليدي والمنفتح ، والسياسي والأمني، ولا يكتم أنفاسه نظام أبوي متسلط.
إن هذا الهروب من الواقع إلى عالم تعويضي غير ممكن التحقق، من حيث استعادته كماض، أو الوصول إليه في المستقبل المنظور كخيال وحال نطمح إليه، إنما يعكس اليأس وقلة الحيلة لدينا، من جهة، والسلبية الفردية والجماعية من جهة أخرى، فيوّلد تناقض غير مألوف في امتلاكنا لوعي مطابق لواقع لا نريده، وكأننا لا ندرك أو نتجاهل أن تغيير هذا الواقع يحتاج منا محاولة تغيير وعينا الذي يصنعه، بدل من الهروب إلى الأمام أو إلى الوراء.